روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | أمي.. هل تحسدينني؟!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > أمي.. هل تحسدينني؟!


  أمي.. هل تحسدينني؟!
     عدد مرات المشاهدة: 2351        عدد مرات الإرسال: 0

حوائط البيت بدت لها في هذه الساعة القاتمة وكأنها جدران سجن لا بصيص فيه من نور ولا فرجة من أمل..

لم يكن بها من بأس سوى الشك والقلق اللذين ما تركا شيئا في حياتها، ذكرى.. حلمًا.. رزقًا.. همًّا.. إلا ووضعا بصمتيهما عليه.. شك لا يرحم، وقلق لا يزول.

شعرت بضيق صدر منعها من انفراجة البكاء.. كيف وصل بها الشك إلى أن تقول هذا لأمها؟، كيف سمحت للظنون السيئة أن تقترب من أحب الناس إليها، وأحن الخلق عليها.. أمها؟

"أمي تحسدني".. تمتمت بانزعاج..

"كيف تفوهت بهذا.. بل كيف فكرت، ومن يتمنى لي دوام النعمة وتمامها أكثر من أمي؟! ".

أغمضت عينيها، لتتوارد على مخيلتها ذكريات قديمة، كانت في الخامسة أو أكبر قليلا.. تتذكر لمسة والدتها على شعرها الحريري المائل للشقرة، وهي تردد على مسامعها: احذري من الحاسدين، فجمالك ليس له مثيل.

أدخلت هذه الكلمات في نفسها السرور وبعض الغرور، ولكن هذه الكلمات وغيرها بدأت تتداعى عليها كلما مضت في حياتها، كلما حققت نجاحا أو ظهرت لها موهبة، الخوف من الحسد والحاسدين المتربصين بها والكارهين، بل حتى المحبين قد تصيبها منهم عين طائشة.

كان الأمر في جانب منه ممتع، أن تشعر دائما بالتفرد، أنها محط أنظار الناس، وأن الجميع يتمنى ما تحظى به..

ولكنها اعتادت عندما يمن الله عليها بنعمة، أو توفق لأمر ما، قبل أن تشكر أو تسعد أن تخاف من الحسّاد.. وتتوقع من سيحسدها، حتى أصبحت النعم في إحساسها قرينة الخوف والكراهية.

ولكن ما سبق كان هو الجزء الأقل تأثيرًا لهاجس الحسد في حياتها، فقد كان يلعب لعبا منفردا عند الإخفاق والمصيبة.. هكذا تربت في بيتها، وعلمتها أمها..

عندما تبتلى بمرض، أو تُلم بها ضائقة، أو تشعر بهمٍّ أو ضجر، أو تفشل في اختبار، أو تتعثر في صداقة أو ارتباط.. فإن الحسد هو البطل المغوار، وكلمة السر وراء الأستار.. بعبارات من قبيل:

لابد أن أحدهم حسدك..

أنتِ محسودة يا صغيرتي..

ألم أقل لكِ انتبهي للحاسدين؟!

عندما خُطبت إلى زوجها لم تفرح كثيرا بقدر ما فكرت في الحاسدات من القريبات والبعيدات، وعندما تزوجت كانت تأبى على زوجها أن يدخل بالسيارة الفارهة إلى الحارة الضيقة التي تعيش فيها أسرتها، حتى لا تصيب السيارة أعين الحاسدين من بسطاء الحي.

وعندما حملت بعد أشهر قليلة من زواجها أمرتها امها بإخفاء الخبر السعيد عن الجميع عدا زوجها حتى تمر 3 أشهر، وعندما أظهرت الأشعة أن الجنين ذكر، تجهمت أمها قبل أن تفرح مشددة على أهمية كتمان الخبر.

وفي كل مرة كانت تحدث خلافات بينها وبين زوجها كانت ترجع السبب إلى الحسد، فلا تقصير أو اختلاف طباع أو حاجة إلى التفاهم أو التقارب، تتكرر المشاكل، ويتكرر الحل الجاهز الذي لا عبأ فيه ولا تبعة، الشماعة السهلة التي يعلق عليها الفشل والخطأ دقَّه وجُلّه، علانيته وسرَّه.

يومًا بعد يوم.. نعمة بعد نقمة، وضراء تلو سراء.. كانت دائرتها الاجتماعية تتقلص، وتخسر الصديقات تترا، وتضيق نفسها، وتتعاظم شكوكها، وتفقد ثقتها في المعاني الإنسانية النبيلة كالحب والوفاء والمساندة.

لم يسلم أحد من ظنونها.. حتى أقرب الناس إليها، فشماعة الحسد حتى تتحمل الإخفاقات والإحباطات لا مفر من أن يحملها الكثيرون، حتى وصل بها الحال إلى أن شكت يومًا في زوجها.. أنه يحسدها، وكيف هذا؟. . لقد فقدت المنطق تمامًا، فلم تعد الندية أو الغيرة هي الدوافع المقبولة لديها فحسب، لم تعد تتعب نفسها كثيرًا في البحث عن أسباب حسد الحاسد لها.

ولكن صدمتها وألمها اشتدا عندما وصلت الظنون إلى مصدر أمانها وحمايتها منذ فتحت عيناها على الدنيا.. إلى أمها، بل قد واجهتها في لحظة انفعال طائش بشكوكها حولها وأنها حسدتها.

والمذهل أنها في رحلة حياتها فوق أشواك الحسد لم تولِ ذكر الله عناية، لم تنتبه إلى أن النص القرآني على الحسد جاء للأمر بالاستعاذة بالله، واللجوء إليه، فنسيت التحصن بالحصن الحقيقي، فأُوكلت إلى نفسها.

إن حقيقة التوحيد تتنافى مع تسليم النفع والضر للبشر، وتتنافى مع تعليق الأسباب على غير مسبباتها، وسلامة الصدر تطعنها الظنون السقيمة في الناس، والإيمان بوجود الحسد يستلزم إنابة وتوكلا على الله، وإكثار من ذكره والاستعاذة بعظمته، لا أن يكون القلب كالريشة في اليوم العاصف يأتيه الخوف من كل مكان وما هو بمستيقن من يضره وينفعه، يعطيه ويمنعه.

الكاتب: مي محمود

المصدر: موقع رسالة الإسلام